🏡 البدايات – مساء النور
كانت السماء تميل إلى الزرقة الخفيفة في مساءٍ من أمسيات مدينة النور الصغيرة في زمن الحرب ، جلس تجاني ابن حي النخيل وهو احد أحياء المدينة ويعمل فني كهرباء حيث يعرف بابتسامته الهادئة وسرعته في نجدة الجيران أمام بيته الصغير يصلّح محول كهرباء به عطل.
وفي داخل البيت، كانت دكتورة زينب، زوجته، تجهز أدوات عملها قبل مناوبتها في المركز الصحي القريب، بينما أطفالهما الثلاثة يلعبوا في حوش صغير تحت عين العم الزين، والد تجاني، هوه يجلس على مصلاية يتلو القرآن بصوتٍ خافتٍ مطمئن.
بعد أن إرتدت زينب معطفها الأبيض: خرجت تكلم تجاني قائلة :” له الحاصل دا يا تجاني علّمنا حاجة واحدة… البلد دي ما بتقوم إلا بأن الناس تتعاون مع بعض . الحرب خلت الحياة صعبة شديد، ولو كل بيت ساعد التاني بنلقى حل. شوف جارنا عبد العزيز مثلاً، لو اتشارك معانا، كان جبنا ألواح طاقة شمسية نشغل بيها الإنارة والمراوح والثلاجة.”
هزّ تجاني رأسه موافقًا، وما كان عارف إن الجملة دي حتكون الشرارة الأولى لركيزة غيّرت وجه الحيّ.
💡 الفكرة التي أيقظت الحلم
بعد العشاء، وبينما تجاني يتصفح “فيسبوك”، وقف عند منشور على صفحة السودان أولاً بيقول:
“ابدأ من بيتك… اجمع مية مواطن من جيرانك لتكوّنوا ركيزة. الركيزة هي القناة الرسمية لحقوقكم وخدماتكم.”
ضغط على الرابط ودخل موقع السودان أولا www.sudantobefirst.com
وقرأ تفاصيل المراحل الثلاث بعناية — من المرحلة الأولى إلى الثانية ثم الثالثة.
ولما فرغ، أغلق الهاتف وهو يتمتم:
“الصورة واضحة… الركيزة ما بس فكرة، دي الخطوة الأولى في طريق بيودي لحلم اسمو السودان العظيم.”
فتح تطبيق واتساب وشارك المنشور في مجموعتين أساسيتين:
مجموعة زملاء الدراسة القدامى، ومجموعة حي النخيل التي تضم جيرانه، وكتب:
“المنشور دا مهم جدًا. أقرأوهو وخشو الموقع واقروا المراحل الثلاث، وتعالوا بكرة المساء نتناقش سوا.”
📞 الاتصالات الأولى
في مساء اليوم التاني، دخل تجاني مجموعة زملائه في الواتساب وقال:
“اها رايكم شنو في فكرة السودان اولا ؟ أنا اقتنعت وقررت أبدأ أنفذ الفكرة هنا في حي النخيل، وأخلي الناس فيها يتوزعوا على ركائز. أصلو نحن عددنا في حدود ألف يعني بنعمل 10 ركائز .
يا زكريا، يا عمر، شوفوا تعملوا نفس الشي في أحياءكم القريبة، وعبد العزيز، قول لأخوك السر يعملها في حي التلال برضو، عشان قريب مننا.”
كتب عبد العزيز بلهجة مترددة:
“لكن يا جماعة، كيف نضمن إنو الناس الوراء المبادرة دي وطنيين فعلاً، وما ناس عندهم غرض؟”
ردّ تجاني بثقة:
“والله يا عبد العزيز أنا ذاتي كنت متشكك في الأول، لكن لما قرأت التفاصيل من الركيزة لحد مجلس أمناء الدولة وحكومة وبرلمان الأزمة، لقيت إنهم ما خصصوا لنفسهم أي حاجة — لا مناصب ولا امتيازات. ودا خلاني أطمئن إنها خطة للوطن كله، ودافعها وطني خالص.”
ابتسم عبد العزيز وقال:
“كلامك منطقي، اتفق معك… أنا الليلة ح أتصل على السر وأخليه ينشر الفكرة في مجموعة حينا، ونلحقكم.”
لكن النقاش ما وقف هنا. كتب حنين، أحد الزملاء المنتمين لتنظيم سياسي، معترضًا:
“كيف يا تجاني الفكرة دي توقف الحرب؟ دا كلام غير منطقي — الحرب دي ما بتنتهي إلا باتفاق العساكر أو تدخل دولي.”
ابتسم تجاني وردّ بهدوء وثقة:
“إيقاف الحرب دا شغل حكومة الأزمة، دي من مهامها حسب خارطة الطريق (البند 1.9.3). الحكومة دي والبرلمان ح يشكلهم مجلس أمناء الدولة. والمجلس دا نحنا من مدينة النور المفروض نجيب واحد من أعضائه، ودا ما ساهل… لازم نحسن الاختيار.
وكل عشرية في السودان تعمل نفس الشي، تختار زول حكيم ووطني وصلب، عشان المجلس دا كل ما كان قوي، بنضمن إنو الخارطة تمشي بالحرف. نحنا دورنا نقيف في ضهرهم ونخليهم ينجزوا.”
ضحك زكريا وقال ممازحًا:
“يا حنين، والله تشكيل الركيزة في الزمن دا أصعب من إنهاء الحرب. لكن ما مستحيل — محتاجين نرفع الروح المعنوية ونخلي شعارنا: انضمامك لركيزة يعني نصرة لوطنك. وعشمنا في الله يكتب لينا النجاح.”
أما عبد العزيز، من أوروبا، ختم المشهد متفائلًا:
“أنا بدأت أتحمّس. سأتصل بالسر وأطلب منه تكوين الركيزة، وسأسجّل نفسي وزوجتي وولديّ، وسأدعو باقي أهل التلال لتكوين ركائزهم.”
⚖️ النقاش والاعتراض
لكن الموضوع ما مرّ بهدوء.
في مجموعة واتساب الحي كتب حامد — المعروف بحدة رأيه — يقول:
“الكلام دا تنظير ساي يا تجاني، الدولة ما حتوافق على الحكاية دي.”
ردّ تجاني بهدوء:
“يا حامد، الركيزة دي تنظيم مجتمعي من جوه الحي، ما ضد الدولة، بالعكس بتساعدها وتخفف عنها.
ما ح نحتاج إذن من زول، لأنو دا حقنا كمواطنين نتنظم ونتعاون.”
الحوار طال، بعض الجيران ترددوا، وبعضهم فضل ينتظر.
لكن العم الزين كتب تعليقًا مختصرًا:
“البلد ما ح تتصلح بالجدال في الميديا، تتصلح بالعمل. الركيزة دي ح تساعدنا نتعاون جوه الحي وما حتكلفنا حاجة.”
وساد بعدها صمت القبول.
📱 الاتصالات بيتًا بيتًا
في اليوم التالي، بدأ تجاني تسجيل أسرته أولًا قبل الآخرين.
قال وهو يكتب في الدفتر:
“أنا وزوجتي زينب وأطفالنا الثلاث ومعانا أبوي… يعني ستة أفراد. الثلاثة الكبار يدخلوا مجموعة الركيزة في الواتساب، والأطفال تحت 16 سنة نسجل أسماؤهم في السجل الورقي.”
ثم بدأ يتصل بالجيران واحدًا واحدًا:
“السلام عليكم عم عبد الرحيم… سمعت بي مبادرة السودان أولًا؟ دايرين نكوّن ركيزة مية نفر هنا في حيّنا.”
يشرح له أن الركيزة ما حزب ولا تنظيم سياسي، بل وسيلة لتنظيم الخدمات وحفظ الحقوق.
يسأله السؤال الثابت:
“كم نفر عندكم في البيت؟”
يسجل الأسماء واحدًا واحدًا، ويضع علامة بجانب من تجاوز عمره 16 سنة ليضيفه لاحقًا في المجموعة الرسمية.
انتقل من بيت لبيت. بعضهم رحب فورًا، وآخرون طلبوا وقتًا للتفكير.
🌍 المغتربون والنازحون
قبل أن يغلق قائمته، خطر بباله أخوه حمزة المغترب في السعودية.
فتح الهاتف واتصل به قائلًا:
“يا حمزة، نحن بنسجّل الركيزة هنا في النخيل، وعاوز أسجّلك مع أسرتك.”
استغرب حمزة وقال:
“ركيزة؟ شنو يعني الركيزة دي؟”
ضحك تجاني وقال:
“سأرسلك رابط موقع السودان أولاً، افتحه، ح تلقى كل التفاصيل في المرحلة الأولى. ومن هناك ح تعرف خارطة السودان الجاي، والمرحلتين التانية والتالتة، أما الرابعة لسه ما نزلوها.”
بعد ساعات، اتصل حمزة وقال بحماس:
“يا تجاني، والله دا عمل كبير، نسأل الله يوفق القايمين عليه. وأنا من الليلة راجع بيتي في الركيزة.”
كتب تجاني في دفتره:
حمزة، زوجته، وأطفاله الخمس – مسجلين ضمن ركيزة وسط النخيل.
كما تواصل مع أبناء الحي النازحين والمغتربين في الخليج وأوروبا وقال ليهم:
“مكانكم محفوظ في الركيزة بما إنكم من أهل الحي. ح نسجلكم مع أسركم، وتشاركونا في كل المبادرات، لحدي ما ترجعوا بالسلامة إن شاء الله.”
أرسل أحدهم صور بيانات أطفاله وقال مبتسمًا:
“حتى أولادي الحمد لله بقوا أعضاء في الركيزة من غير ما أرجع السودان.”
وقتها شعر تجاني إن الصورة اكتملت، وإن الركيزة لازم تتقفل عشان تبدأ مرحلة التنظيم الفعلي.
📲 مجموعة الواتساب الرسمية
في الليلة دي، جلس تجاني على طاولته الخشبية، يراجع الأسماء في دفتره.
ولما اكتمل العدد، فتح مجموعة جديدة في واتساب وكتب في وصفها:
«ركيزة وسط النخيل – الرسمية».
كتب أول رسالة فيها:
“مرحبًا بالجميع. دي مجموعة الركيزة الرسمية. كل من عمره أقل من 16 أو ما عنده واتساب سجلناه في السجل الورقي، وحقوقه محفوظة. الركيزة مغلقة عند 100 فرد، والما لحقنا يسجل، ممكن ينضم لركيزة مجاورة في حي النخيل.”
انهالت الردود بالتهاني والتفاعل، وبدأ الناس يحسوا إنو في حاجة مختلفة اتولدت جوه الحي.
🌅 لحظة الإعلان
في آخر الليل، جلس تجاني في فناء بيته الصغير يراجع الأسماء واحدة واحدة.
سمع صوت أبوه من الداخل يقول:
“كم وصلت يا ولدي؟”
ابتسم وأجاب:
“مية يا أبوي، وأغلقنا الركيزة كمان.”
قال عم الزين وهو ينهض متكئًا على عصاه:
“الركيزة دي يا تجاني، ح تكون ركازة السودان بإذن الله، نموذج تعاون وتعايش لوطن في صورة صغيرة. وأقول ليك، لو نجحت في منطقتنا، بإذن الله ح تنجح في البلد كلها.”
ابتسم تجاني وقال وهو يغلق دفتره:
“زينب الصباح كانت بتتكلم عن تعاون بينا وبين جارنا عبد العزيز عشان نركب طاقة شمسية… وهسي التعاون بقى يشمل كل الجيران، وبكرة بإذن الله يكبر ويشمل حي النخيل كله.”
كتب في أسفل الصفحة الأخيرة:
«تم إغلاق ركيزة وسط النخيل – الخطوة القادمة: اختيار مجلس رعاة الركيزة.»
ثم وضع القلم على الطاولة، وهو يشعر أن صوت زينب كان نبوءة حقًا:
“البلد حتقوم… من كل بيت.”
ضحك بخفة، ورفع بصره للسماء كأنو بيشوف فجر السودان الجديد من نخلات الحي.
🕊️ في الفصل القادم
تبدأ الحكاية الجديدة: تكوين مفوضي الركيزة وقصص البطولة والعطاء في وسط النخيل.