تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، موجات نزوح يومية متصاعدة في ظل استمرار العمليات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق. وتتابع الصحف المحلية، من بينها “دارفور24″، حركة الفرار الجماعي لعشرات الأسر صباح السبت، حيث شوهد العديد منهم يغادرون المدينة سيراً على الأقدام أو باستخدام وسائل نقل بدائية، في مشهد يعكس حجم المعاناة التي تعيشها الفئات الأكثر هشاشة، من أطفال ونساء وكبار السن.
شهادات نازحين
أفاد عدد من النازحين لصحيفة “دارفور24” أن تصاعد الاشتباكات داخل المدينة، إلى جانب التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية، دفعهم إلى اتخاذ قرار المغادرة. من بين هؤلاء، حليمة يعقوب، وهي ربة أسرة كانت تقيم في مخيم أبو شوك للنازحين، قالت إن توغل قوات الدعم السريع إلى المخيم في أوائل سبتمبر الجاري أجبرها على الفرار مع أبنائها إلى حي أبو شوك الحلة. وأضافت أن غياب الاستقرار الأمني وتردي الظروف المعيشية دفعهم إلى النزوح مجدداً، مشيرة إلى أن غالبية الأسر الفارة تتجه نحو مناطق طويلة وكورما، حيث يسير البعض على الأقدام، بينما يستخدم آخرون عربات تجرها الحمير، نظراً لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف وسائل النقل الأخرى.
انهيار الخدمات
من جانبه، قال يحيى إبراهيم، أحد سكان حي أبو شوك الحلة، إن مدينة الفاشر باتت غير صالحة للعيش في ظل استمرار القصف المدفعي اليومي والاشتباكات المسلحة، إلى جانب الانهيار الكامل في الخدمات الأساسية. وأوضح أن المياه أصبحت شبه معدومة، وأسعارها ارتفعت بشكل كبير، ما جعل الحياة اليومية شبه مستحيلة. ودعا إبراهيم سكان المدينة إلى المغادرة حفاظاً على حياتهم، مؤكداً أن البقاء في ظل هذه الظروف يشكل خطراً حقيقياً على المدنيين.
طريق محفوف
في السياق ذاته، تحدثت حفيظة إسماعيل، وهي أم لطفلتين، عن واقع الحياة في الفاشر، قائلة إن المواطنين يواجهون الموت يومياً، إما بسبب القصف أو نتيجة الجوع والعطش. وأشارت إلى أن الطريق الرابط بين الفاشر وطويلة يشهد تهديدات أمنية متزايدة، لكن كثيرين لا يملكون خياراً سوى سلوكه، في ظل غياب البدائل الآمنة. هذه الشهادات تعكس حجم المأساة التي تعيشها المدينة، وتسلط الضوء على معاناة الأسر التي تجد نفسها مضطرة للمغادرة دون وجهة واضحة أو ضمانات للسلامة.
توغل مستمر
منذ أغسطس الماضي، كثفت قوات الدعم السريع من عملياتها داخل مدينة الفاشر، حيث توغلت في عدد من المواقع الحيوية، بما في ذلك مخيم أبو شوك شمال المدينة. وتشهد الفاشر منذ 11 مايو 2024 اشتباكات متواصلة وقصفاً باستخدام المدافع والطائرات المسيّرة، ما أدى إلى تدمير واسع في البنية التحتية، وتوقف شبه كامل في الخدمات العامة. وبحسب تقارير محلية، خرجت 95% من المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة، فيما تعمل النسبة المتبقية بشكل جزئي وتحت ضغط كبير.
حصار طويل
تفرض قوات الدعم السريع حصاراً مشدداً على مدينة الفاشر منذ أبريل من العام الماضي، في إطار مساعيها للسيطرة على المدينة التي تُعد آخر معقل عسكري للقوات المسلحة السودانية في إقليم دارفور. هذا الحصار، الذي دخل عامه الثاني، أدى إلى عزلة شبه تامة للمدينة عن محيطها، وخلق أزمة إنسانية متفاقمة، وسط غياب أي حلول سياسية أو إنسانية تلوح في الأفق. ومع استمرار النزاع، تتزايد أعداد النازحين يومياً، فيما تظل الفاشر تحت ضغط عسكري وإنساني متصاعد يهدد مستقبل سكانها.